مصر و السودان حتة واحدة !

يراودني ظن (و ليس كل الظن اثم) بأن مشكلة مياه النيل (المنبثقة) الآن بين دل المنبع ودول المصب مجرد تعبير عن أزمة وشرعية سياسية تعاني منها كل دول حوض النيل فأرادت صرف نظر شعوبها الى قضية اخري لكي تلتف حولها و تنسي صراع السلطة ولو مؤقتاً ؛ فكل دول الحوض دون استثناء لديه ااحتقانات وعدم استقرار سياسي ، فدول المنبع ليس لديها الآن امكانيات لقيام مشاريع مائية ضخمة حتى تسعي لإقامة اتفاقيات جديدة و دول المصب لا تشاهد الآن مشاريع تهدد حصتها لكي تتأبط شراً ، فالشغلانة على الاقل فى اللحظة الحالية لا تخلو من الانصرافية ولكن هذا لا يمنع وجود حقيقة مؤكدة و هى ان حجم الشعوب المعتمدة على مياه النيل اكبر بكثير من كمية المياه المتاحة و ان الحاجة الى المياه متزايدة يومياً وان هناك مفارقات كبيرة بين هذه الدول ، فدولة لا ترفد النيل بلتر واحد و تعتمد عليه بنسبة مائة فى المائة و دولة ترفد النيل بنسبة ثماني فى المائة ولا تأخذ منه شيئاً فهذا يعني ان الصراع حول ايرادات النيل حقيق وليس متوهم .
و لكن فى تقديرنا ان أوانه لم يئن بعد ، لا بل انه يمكن التقليل من حدة التوتر لدرجة تبادل القبلات هذا بعد تبادل المنافع بصورة عادلة ،والعدل فى الدنيا لم ينته ، على العموم هذه القضية تحتاج الى تفصيل اكثر سنعود اليه لاحقاً انشاء الله ،ونحن اليوم بصدد وحدة الموقف بين مصر و السودان ، هل هو حقيقي أم فيه (خم) ؟ برز فى السودان رأى عام يقول اننا لسنا فى سرج واحد مع مصر، ونحن اقرب لدول المنبع بحجة ان اتفاقية 1959 تعتبر مجحفة و ظالمة للسودان من ثلاث اوجه : أولاً انها بالغت فى حقوق مصر المكتسبة قبل الاتفاقية و ظلمت السودان ،و ثانياً عندما حسبت لمصر عشرة مليارات اضافية باعتبار انها للتبخر من بحيرة السد ،و ثالثاً اقرت الاتفاقية تناقص حصة البلدين بصورة متساوية إذا قامت مشاريع جديدة فى حين كان ينبغي ان يكون التناقص حسب حجم الحصة ، و كما هو معلوم فان الحكومة الديمقراطية التى سبقت حكومة عبود رفضت التوقيع على الاتفاقية و وافقت عليها حكومة عبود .
و لكن رغم كل هذا فان فى هذه اللحظة بالذات فان مصر و السودان يركبان على سرج واحد ، ومصالحهما تكاد تكون متطابقة و لا سبيل لهما الا التنسيق و التعاون ،فالخطر وان كان متوهماً فى هذه اللحظة الا ان مجرد الاتفاق بين اثيوبيا ودولا لبحيرات الاستوائية يوجب إمعان النظر فهذه الدول اثيوبيا من جانب ويوغندا و تنزانيا و رواندا من جانب آخر ليس هناك ما يجمع بينها ولا تشترك فى اى بحيرة ولا أي رافد ، فما بين منابع النيل الازرق و النيل الابيض بعد المشرق و المغرب ،وهذه الدول لا تلتقي الا فى حالة التضييق على دول المصب .
نعم أثيوبيا لها حقوق من حقها ان تطالب بها و من غير المعقول ان تموت عطشاً و الماء من هضبتها ينزل ، و يجب على مصر و السودان ان يستمعا لمطالبها و هناك امكانية كبير للتنسيق معها (أكان النفوس اتراضت يسعها جميعا) و لكن ليس هناك صلة بين اثيوبيا و يوغندا بقية دول البحيرات ، كما ان دول البحيرات يجب ان تتفاهم مع مصر و السودان لذات الاهداف التى تسعي اليها اثيوبيا . اذن يا جماعة الخير فان اجتماع هذه الدول و توقيع اتفاق اطاري لا يخلوان من التهديد لمصر و السودان ولو فى المستقبل البعيد ،و عليه فانه لا فكاك من تعاون مصر و السودان فى الوقت الحالي .

نقلا عن صحيفة التيار السودانية 18/5/2010م